moheet.com
في تحذير مبكر لأوباما من مغبة تكرار أخطاء بوش وقبله السوفيت والبريطانيين ، توعدت طالبان بأن 2009 سيكون الأكثر دموية للقوات الأجنبية في أفغانستان.
محيط - جهان مصطفى
هذا التهديد جاء متزامنا مع إعلان واشنطن في 21 ديسمبر عن إرسال 30 ألف جندي أمريكي إضافي إلى أفغانستان وذلك في خطوة باتجاه تنفيذ تعهدات أوباما خلال حملته الانتخابية بسحب القوات الأمريكية من العراق وإرسالها إلى أفغانستان ، إلا أنه فيما يبدو فإن الجحيم والهلاك بانتظار تلك القوات.
فمعروف أن الولايات المتحدة تحتفظ حاليا بـ 31 ألف عسكري في أفغانستان، منهم 14 ألف عنصر يعملون في إطار قوة الإسناد والدعم الأمني الدولية (إيساف) بقيادة حلف شمال الأطلسي (الناتو) وقوامها 51 ألف عسكري.
وجود كل تلك القوات لم يمنع هجمات طالبان ، بل إنه زادت حدتها ووتيرتها وجاء عام 2008 ليكون الأكثر دموية للقوات الأجنبية بعد مقتل 300 جندي من عناصرها.
وفي حال أرسلت واشنطن 30 ألف جندي إضافي ، فإن هذا لن يكون قبل يونيو 2009 عندما تبدأ واشنطن وفقا للاتفاقية الأمنية التي وقعتها مؤخرا مع حكومة نوري المالكي في سحب قواتها من المدن العراقية وبالتالي فإن إرسال بعض تلك القوات لأفغانستان سيكون متزامنا مع انتهاء فصل الشتاء واستعداد طالبان لتكثيف هجماتها في موسم القتال في الربيع ، وهنا يتوقع أن تزيد خسائر الأمريكان ، لأن فرصة صيدهم من قبل مقاتلي طالبان ستكون أكبر كلما زاد عددهم وكثرت تحركاتهم.
هذا بالإضافة إلى أن زيادة عدد القوات لم يعد هو الحل في نظر الكثيرين في ضوء التنامي السريع لاستياء الأفغان من حكومة حامد قرضاي التي فشلت في تأمين الخدمات والأمن للبلاد, كما أن ارتفاع عدد الضحايا في أوساط المدنيين بسبب العمليات العسكرية التي تشنها القوات الأجنبية بأفغانستان بات يشكل وقوداً لاستمرار الاستياء الشعبي ضد قرضاي وأمريكا ، وبالتالي الالتفاف أكثر وأكثر حول طالبان.
ولا ننسى أمر آخر مهم من شأنه أن يفشل حسابات أوباما بشأن أفغانستان ألا وهو أن مهمة الناتو والقوات الأمريكية فشلت حتى الآن في تحقيق أي تقدم بسبب تطوير طالبان الدائم لتكتيكاتها في حرب العصابات ، ما بين تفجيرات وعمليات انتحارية شبه يومية، بالإضافة لاعتراف مسئولين أفغان مؤخرا بأن أسلحة صينية متطورة كالصواريخ المضادة للطائرات والمدفعية والألغام والقذائف الصاروخية ومعدات صنع العبوات الناسفة أصبحت بحوزة مقاتلي الحركة.
امتلاك مثل تلك الأسلحة هو الذي دفع طالبان للثقة أكثر وأكثر في قدراتها على هزيمة الناتو وأمريكا ، ولذا تحفظت على دعوات الحوار التي أطلقتها مؤخرا حكومة قرضاي وربطت الموافقة عليها بانسحاب القوات الأجنبية.
الغرب يعترف
وتلك جملة من التعليقات التي وردت في الصحافة الغربية وعلى لسان مسئولين وخبراء من الناتو وأمريكا وتؤكد هى الأخرى استحالة تحقيق نصر عسكري على طالبان ، ففي 14 ديسمبر ، استبعدت صحيفة "الجارديان" البريطانية نجاح قوات الناتو في القضاء على طالبان ، مشيرة إلى أن الضباط البريطانيين الذين كانوا يزعمون في السابق أن "طالبان" قد انتهت هم من يستبعدون الآن النصر في هذه الحرب.
واستطردت تقول :" تستعد قوات بريطانية وأمريكية إضافية للتوجه إلى ساحة هذه الحرب، لكن ماذا بعد؟.. الجواب هو أنه لا أحد ممن يتولون تسيير هذه الحرب يعرف الجواب, إذ أن المعروض هو محاولة فرض حل عسكري لهذا الصراع الذي لا يمكن حله بالسلاح ولا يمكن الانتصار فيه بل هو حرب خسرناها منذ أمد بعيد".
وشددت الجارديان في هذا الصدد على أن استعادة طالبان منذ عام 2006 نفوذها لم يكن عبر القوة فحسب وإنما لأن كثيراً من الأفغان أصبحوا مقتنعين بأن هذه الحركة تمثل رهاناً أفضل لهم من رهان التشبث بنظام الرئيس الأفغاني حامد قرضاي الفاسد والعاجز.
وفي 31 أغسطس 2008 ، كشفت صحيفة التليجراف البريطانية هى الأخرى عن تزايد ملحوظ في معدل هجمات طالبان ضد القوات الأجنبية، ونقلت عن مسئولين محليين قولهم إن كل يوم يشهد وقوع هجمات وتفجيرات تطال دوريات الناتو وتتسبب في تدمير العربات العسكرية ويظل حطام هذه العربات مبعثرا على الطرقات .
ووفقا للمسئولين المحليين أيضا فإن الهجمات تحدث بشكل يومي تقريبا وتضرب التجهيزات العسكرية وكذلك الشاحنات المدنية التي تحمل الوقود والغذاء والملابس للقوات الأجنبية ،واختتمت الصحيفة تقريرها قائلة إن منظمة حلف شمال الأطلسي "الناتو" تفقد العديد من المعابر والممرات الاستراتيجية يوما بعد يوم لأن هجمات حركة طالبان ضد قوافل التجهيزات تزداد قوة.
وفي السياق ذاته ، قالت صحيفة التايمز البريطانية إن المؤشرات تتزايد على أن حركة طالبان تضيق خناقها على العاصمة الأفغانية كابول ، مشيرة إلى تعدد مشاهد السيارات والشاحنات المحروقة على أطرافها
ولتأكيد حقيقة تصاعد قوة الحركة ، قارنت الصحيفة بين تكتيكات طالبان وتلك التي استخدمتها المقاومة الأفغانية ضد البريطانيين في 1841 وضد الروس قبل عقدين من الزمن ، حيث كانت تقطع الإمدادات بمهاجمة بعض الخطوط الحيوية التي تمر من مناطق وعرة، بينما يقترب المسلحون من العاصمة شيئا فشيئا.
وفجرت التايمز مفاجأة قوية جاء فيها أن الحركة تسيطر حاليا على مناطق لا تبعد عن العاصمة إلا بعشرين ميلا إلى الجنوب الغربي ، ورغم أن شاحنات المؤن ما زالت تتحرك منها وإليها، فإن الخوف وعدد القتلى في صفوف الناتو والقوات الأمريكية يتزايدون بشكل مطرد.
وفي 2 أغسطس ، أكد الجنرال الألماني هانز لوتار دومروزه رئيس أركان قوة المساعدة الأمنية الدولية التي يقودها الناتو في أفغانستان (إيساف) أن عدد الهجمات بالقنابل التي توضع على جوانب الطرق زاد بنسبة 50 في المائة في 2008 ، مشيرا إلى أن طالبان زرعت 1200 قنبلة من هذه القنابل حتى أغسطس من 2008 ، بينما في نفس الفترة من العام الماضي زرعت 800 قنبلة.
وأضاف أن مقاتلي طالبان زادوا من قدراتهم التقنية ، فعلى سبيل المثال ردوا على أجهزة التشويش التي تستخدمها القوافل العسكرية الأجنبية للتعامل مع عمليات التفجير عن بعد باستخدام مزيد من الكوابل وأطباق الضغط للتحكم في الأجهزة ، هذا بالإضافة إلى أن الهجمات الانتحارية بالقنابل زادت عن الـ 160هجوما التي وقعت العام الماضي.
شهادة من ميدان القتال
وفي أغسطس الماضي ، كشف الجندي الأمريكي تايلر ستافورد لشبكة سي ان ان الإخبارية الأمريكية عن تجربته الشخصية مع جحيم هجمات طالبان ، قائلا إن مجموعته التابعة للكتيبة الثانية من فوج المشاة الأمريكي الـ503، في اللواء 173 المحمول جواً، تعرضت في يوليو الماضي لأكثر العمليات دموية ضد الجيش الأمريكي في أفغانستان منذ ثلاث سنوات.
وحول تفاصيل الهجوم الشرس الذي شنته مجموعة من عناصر طالبان على وحدته في شرقي أفغانستان والذي خلف تسعة قتلى بين صفوف القوات الأمريكية ، قال تايلر ستافورد :" وجدنا أنفسنا فجأة وجها لوجه مع 200 من مقاتلي طالبان، الذين أطبقوا علينا من ثلاث جبهات، لتبدأ مواجهات شرسة، انتهت بمحاولة الناجين منا إنقاذ حياة بعضنا البعض، بعد سقوط تسعة قتلى وإصابة العشرات بجراح".
واستطرد يقول :" عند إصابتي صرخت منادياً صديقي، الجندي ماثيو فيليبس، طلباً للمساعدة، لكن ما من مجيب، وعندها نظرت إليه وسألته : هل أنت بخير؟ ، غير أنه لم يتحرك مطلقا وكان ماثيو أول رفاقي الذين شهدت مقتلهم.وتابع :"شاهدت رفيقي الآخر، الجندي جونثان آيرز .. كان مذهلا ، لم يتوقف لوهلة عن إطلاق وابل الرصاص على عناصر طالبان ، حتى أصابته قذيفة أر. بي. جي فخر صريعا".
واسترسل بالقول: "دوت الانفجارات في كل مكان، وكان هناك أكثر من 200 من مقاتلي طالبان يطلقون نيران أسلحتهم علينا.. كانت فوضى عارمة " ، واصفا موقع الاشتباكات وهو يلقي بنظرة أخيرة عليه من على متن مروحية الإنقاذ بأنه كان على غرار المواقع في حرب فيتنام .
وفي 20 سبتمبر ، كشفت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية أيضا أن حركة طالبان باتت تحظى بتسليح وثقة عالية وأضحت قادرة على تنفيذ هجمات متصاعدة ، مشيرة إلى أن مقاتلي الحركة قادرون الآن على العمل في جميع الأقاليم التي تحيط بالعاصمة وتفرض سيطرتها على العديد من المناطق القريبة بعد أن كانت تركز عملياتها في المناطق القروية الجنوبية.
وأضافت الصحيفة الأمريكية أن حركة طالبان الجديدة خلقت هيكلاً حكومياً موازياً يتضمن مجالس دفاع ومالية وتقوم حاليا بتعيين قضاة ومسئولين ببعض المناطق, كما أنها تدير مواقع إلكترونية وجهاز دعاية على مدار 24 ساعة يروج لكل عملية عسكرية أسرع مما يفعله المسئولون الأفغانيون والغربيون.
مصير السوفيت والبريطانيين
وفي 23 سبتمبر ، توقع تقرير استراتيجي وضعه أنطوني كوردسمان المفكر الأمريكي الشهير في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية بواشنطن أن يخسر حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة الحرب في أفغانستان كما حدث مع الاتحاد السوفيتي في ثمانينات القرن الماضي والإمبراطورية البريطانية في القرن التاسع عشر.
وأضاف كوردسمان في تقريره أن الوضع في أفغانستان كان يتدهور في السنوات الخمس الماضية ووصل اليوم إلى "مرحلة الأزمة", مشيرا إلى أن الرئيس الأمريكي الجديد أوباما يواجه تحديا جديا من خلال حرب يتم خسارتها على المستويين السياسي والإستراتيجي.
وهكذا فإن تهديد طالبان لأوباما بأن مصيره سيكون أسوأ من السوفيت لا يأتي من فراغ بل هو يستند لقوة حقيقية على أرض الواقع ، فهل يفهم الرئيس الأمريكي الدرس ؟.
Suscribirse a:
Enviar comentarios (Atom)
No hay comentarios:
Publicar un comentario