تنشر صحيفة "موسكوفوسكي نوفوستي" تنشر مقالا بقلم يفغيني ساتانوفسكي، عن الإرهاب و "القاعدة" و "الربيع العربي"، جاء فيه أن حملة الرئيس الأمريكي بوش الابن، التي بدأها قبل 10 سنوات ضد الإرهاب الدولي، باءت بالفشل الذريع، بل وتحولت إلى نقيضها تماما. ورحب زعماء العالم الغربي "بالربيع العربي"، الذي بدأ كمرحلة ليبرالية ديمقراطية جديدة في الشرق الأوسط، وكنس الديكتاتوريات العلمانية من طريق الإسلاميين المتطرفين وحلفائهم في الامارات والملكيات المحافظة في شبه الجزيرة العربية. وقد حصلت "القاعدة" والعديد من المنظمات والفروع المستنسخة عنها والحليفة لها، على تفويض مطلق للنشاط بحرية تامة في العديد من مناطق العالم.
فإن إسقاط صدام حسين في العراق، ورحيل صالح في اليمن، والانهيار القريب لنظام الأسد في سورية، أتاح "للقاعدة" فرصا هائلة. كما أن السلطة الضعيفة في باكستان وأفغانستان، وانقسام السودان، واحتضار الصومال والمواجهة بين أرتيريا وجيرانها، وكذلك تزايد قوة الجاليات الإسلامية في الغرب .. كل هذا يعد نجاحا لا شك فيه "للأممية الخضراء". كما أن تدفق الأسلحة من ليبيا جعل "القاعدة" في بلدان المغرب واحدة من أقوى المجموعات العابرة للقوميات في القارة السمراء.
وإن القضاء على اسامة بن لادن أعطى الرئيس الأمريكي باراك أوباما حجة للاحتفال بالنصر في وسائل الإعلام، غير أن أهمية هذا الحدث كانت رمزية وحسب، فمؤسس "القاعدة" كان منذ زمن بعيد مجرد رمز. وهذه المنظمة بعد مقتل زعيمها غيرت "علامتها التجارية"، إذ تحولت إلى مركز منظومة متشعبة، يقوم بتنظيم وانتقاء وتدريب الكوادر، ويمارس التخطيط، والتغطية الإعلامية، وضمان الدعم اللوجستي، وتبرير العمليات الإرهابية من وجهة النظر العقائدية.. وهذا كله كانت "القاعدة" المركزية تكرس له قدراً من الوقت، أكثر بكثير مما كان يفعله القادة الميدانيون. وتقوم "القاعدة في شبه الجزيرة العربية" و "القاعدة في العراق" وغيرهما من البنى الإقليمية، على التمويل الذاتي. وهي مستقلة في اختيار التكتيك والاستراتيجية. وهذا الأمر ينطبق أيضا على المنظمات المرتبطة "بالقاعدة" كحركة "الشباب" الصومالية، و"بوكو حرام" وغيرها. وهذه البنية الشبكية قادرة على التعامل السريع مع ما يستجد من أوضاع هنا أو هناك. ومقارنة بالتنظيم الهرمي الصارم تتمتع بدرجة عالية من الثبات والمنعة حتى لو تم القضاء على جزء ما من أجزائها.
وزعماء "القاعدة" يلمون جيدا بالتقنيات الحديثة، بما فيها التخطيط، والتنظيم والتسويق. وتستعمل البنية المركزية، وفروعها المحلية الانترنت بشكل واسع لنشر الفكر الجهادي، وتجنيد وتنظيم "الخلايا النائمة". وتهتم "القاعدة" كثيرا باجتذاب "المسلمين الجدد" إلى صفوفها من بين الأوروبيين والأمريكيين، وكذلك بالشباب، الذين يبدأ تجنيدهم من سن الطفولة، ففي صيف 2011 أعلنت المجموعة اليمنية الانتهاء من انتاج فيلم كرتون بعنوان "القاعدة في شبه الجزيرة العربية".
والحديث اليوم لا يدور فقط عن شبكة إرهابية عالمية، بل عن إنشاء ثقافة الجهاد، التي باتت "القاعدة" نواتها الرئيسية. وكان ابن لادن مستغرقا في تنفيذ خطط على مستوى العالم، وفي الصراع ضد الهيمنة الأمريكية، والتخطيط لعمليات إرهابية ضخمة. أما خلفه أيمن الظواهري، فيكرس الكثير ومن وقته لبلدان بعينها، حيث يمكن "للقاعدة" أن تحقق نجاحا باستخدام الامكانيات التي أتاحها لها "الربيع العربي"، وبالاستفادة من الأهمية، التي توليها السعودية وقطر لمجموعات الاسلام الراديكالي من السنة في مواجهتها لإيران الشيعية. وأثبت هذا التوجه صحته في مصر، واليمن، والعراق. أما في ليبيا فنشأ وضع فريد من نوعه حين قام الناتو بوساطة من القطريين والسعوديين، بالتحالف العسكري مع "القاعديين"، وتمهيد الطريق أمامهم نحو السلطة.
المصدر صحيفة "موسكوفسكويه نوفوستي".
الكاتب: يفغيني ساتانوفسكي